في المملكة العربية السعودية، تلعب العقود الحكومية دورًا محوريًا في تنفيذ المشاريع والخدمات العامة، وتلعب دوراً أساسياً في دعم رؤية المملكة 2030، فهي أداة لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية وحتى بيئية.
لهذا، من الضروري أن نفهم أنواع العقود التي تُبرمها الجهات الحكومية، نماذج التعاقد المختلفة، الضوابط القانونية التي تُنظّم هذه العقود، بالإضافة إلى مسؤوليات المتعاقدين والضمانات ومتطلبات تعديل العقود. سنتناول هذه النقاط بشكل مبسط وواضح لتوضيح هذه الجوانب المهمة.
أنواع العقود الحكومية في المملكة العربية السعودية
تستخدم الجهات الحكومية في المملكة العربية السعودية عدة أنواع من العقود لتنفيذ أعمالها ومشاريعها. هذه العقود تختلف بحسب طبيعة المشروع وحجمه، وتشمل:
- عقود التوريد: لتوفير السلع أو المواد مثل الأجهزة الطبية أو المعدات التقنية. يشترط فيها الالتزام بالمواصفات والمواعيد.
- عقود الخدمات: تغطي خدمات مثل النظافة، الأمن، الصيانة، والاستشارات الإدارية أو الفنية.
- عقود الأشغال والإنشاءات: تخص بناء المستشفيات، الطرق، المباني الحكومية، ومشاريع البنية التحتية.
- عقود تقنية المعلومات: لتطوير أنظمة رقمية، تحديث البنية التحتية التقنية، أو تشغيل منصات حكومية.
- عقود الخدمات الاستشارية: لتقديم دراسات أو استشارات قانونية، أو مالية، أو فنية.
- عقود الإدارة: لإدارة مشاريع أو مرافق محددة نيابة عن الجهة الحكومية.
- عقود التصنيع: لإنتاج معدات أو منتجات مخصصة حسب طلب الحكومة.
- عقود الإيجار والبيع: مثل استئجار أو بيع منقولات ومعدات تحتاجها الجهة.
- عقود خاصة: تشمل أي عقود أخرى مرتبطة باحتياجات محددة للجهة الحكومية.
هذه الأنواع صُممت لضمان توفير احتياجات الدولة بكفاءة وبأفضل قيمة للمال العام.
أنماط التعاقد في المشاريع الحكومية
تتنوع أنماط التعاقد الحكومية لتناسب طبيعة المشروع وظروف تنفيذه. أهم هذه الأنماط:
- العقود ذات السعر الثابت: يتم الاتفاق على مبلغ محدد لا يتغير حتى لو زادت التكاليف. تستخدم في المشاريع ذات التقديرات الدقيقة.
- العقود متغيرة التكلفة: تغطي التكاليف الفعلية مع إضافة نسبة ربح للمتعاقد. تناسب المشاريع التي يصعب تقدير تكلفتها مسبقاً.
- العقود المتدرجة أو المختلطة: مزيج بين السعر الثابت والمرن، وغالباً تتضمن حوافز للإنجاز أو تحسين الأداء.
- عقود تسليم المفتاح: المقاول مسؤول عن التصميم والتنفيذ والتسليم الجاهز للاستخدام.
- عقود البناء والتشغيل والتحويل (BOT): المقاول يبني ويشغل المشروع فترة معينة، ثم يسلمه للحكومة.
- شراكات القطاعين العام والخاص (PPP): تعاون بين الحكومة والقطاع الخاص مع تقاسم المخاطر والعوائد.
هذه الأنماط تمنح مرونة في تنفيذ المشاريع وتساعد في اختيار الصيغة الأنسب لكل عقد.
ضوابط إبرام العقود الحكومية وتنفيذها في السعودية
تخضع العقود الحكومية في المملكة العربية السعودية لضوابط واضحة لضمان الشفافية، المنافسة العادلة، وحماية المال العام. أهم هذه الضوابط:
- صياغة العقود والملحقات باللغة العربية، مع السماح باستخدام لغة ثانية بشرط أن تكون العربية هي المرجع.
- الالتزام بإجراءات طرح المناقصات أو الدعوات المباشرة حسب نوع العقد.
- تقييم العروض بناءً على الكفاءة، السعر، والخبرة الفنية.
- إشراف الجهات المختصة على مراحل التنفيذ للتأكد من الالتزام بالشروط والمواصفات.
- منع تضارب المصالح وضمان النزاهة والعدالة في جميع الإجراءات.
- تحديد مدة العقود بما يتناسب مع طبيعة المشروع والاعتمادات المالية، وألا تتجاوز مدة عقود الخدمات المستمرة خمس سنوات إلا بموافقة وزارة المالية.
- إدراج شروط متعلقة بمستوى الأداء والتقييم المستمر، مع حق الجهة الحكومية في إنهاء العقد أو تقليص الدفعات إذا لم يكن الأداء مرضياً.
- توقيع العقد مع صاحب العرض الفائز بعد تقديم خطاب الضمان النهائي، وبدء التنفيذ خلال 60 يوماً من تاريخ الترسية ما لم يُنص على غير ذلك.
مسؤولية المتعاقد مع الحكومة في المملكة العربية السعودية
المتعاقد مع الجهات الحكومية يتحمل مسؤوليات واضحة تضمن نجاح المشاريع وحماية المصلحة العامة. وتشمل:
- الالتزام بشروط العقد كاملة، من حيث الوقت والمواصفات والجودة.
- مراجعة التصاميم والمخططات الفنية والهندسية، وإبلاغ الجهة الحكومية فور اكتشاف أي خطأ قد يؤثر على سلامة المشروع.
- تقديم الضمانات المطلوبة لضمان حسن التنفيذ.
- الامتثال للأنظمة والقوانين المعمول بها، بما فيها قواعد السلامة المهنية وحماية البيئة.
- التعاون مع الجهات الحكومية في الرقابة والتقييم، وتقديم تقارير دقيقة عند الطلب.
- تحمل المسؤولية المالية والقانونية في حال الإخلال بالشروط أو التفريط في التنفيذ.
- الالتزام بحسن النية في التعامل، بما يضمن سير المرفق العام دون تعطيل أو تعارض مع المصلحة العامة.
هذه المسؤوليات تعزز الثقة بين الجهة الحكومية والمتعاقد، وتحافظ على جودة المشاريع وأهدافها التنموية.
نسبة الضمان النهائي في العقود الحكومية
الضمان النهائي أو ضمان حسن التنفيذ هو مبلغ مالي يقدمه المتعاقد بعد ترسية العقد عليه .
وفق المادة 61 من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية:
- النسبة الأساسية للضمان النهائي هي 5% من قيمة العقد.
- يجب تقديم الضمان خلال 15 يوم عمل من تاريخ الترسية.
- يجوز تمديد المهلة لفترة مماثلة، وإذا تأخر المتعاقد يفقد ضمانه الابتدائي، ويتم التفاوض مع العرض التالي.
- يمكن للجهة الحكومية رفع النسبة إذا رأت أن مصلحة المشروع تتطلب ذلك، بشرط موافقة الوزير المسبقة.
- في عقود الخدمات ذات التنفيذ المستمر (مثل التشغيل والصيانة)، يتم تخفيض الضمان سنوياً بحسب ما تم إنجازه، لكن لا يقل أبداً عن 5% من قيمة الأعمال المتبقية.
الهدف من الضمان هو إلزام المتعاقد بالجدية، وضمان جودة التنفيذ والالتزام بالجدول الزمني.
تعديل أسعار العقود أو الاتفاقيات الإطارية
بشكل عام، لا يجوز تعديل أسعار العقود بعد توقيعها. لكن النظام سمح باستثناءات محددة لضمان العدالة وحماية المتعاقدين.
وفق المادة 68 من النظام والمادة 69 من اللائحة، يمكن التعديل في الحالات التالية:
- تغير أسعار المواد أو الخدمات الرئيسية الداخلة في بنود العقد.
- تعديل الرسوم الجمركية أو الضرائب أو فرض رسوم جديدة تؤثر على تكلفة التنفيذ.
- ظهور صعوبات مادية غير متوقعة أثناء التنفيذ تجعل الالتزام بالأسعار الأصلية غير ممكن.
كما أجاز النظام ما يلي:
- إصدار أوامر زيادة في قيمة العقد حتى 10% من قيمته.
- إصدار أوامر تخفيض حتى 20% من قيمة العقد.
- يجب أن تتم التعديلات بموافقة الجهة الحكومية ووفق إجراءات رسمية تحفظ حقوق الطرفين.
هذه الضوابط توازن بين حماية المال العام وضمان استمرار المشاريع دون توقف بسبب تقلبات السوق أو الظروف الطارئة.
هل يجوز التنازل عن العقد أو التعاقد من الباطن في المملكة العربية السعودية؟
التنازل عن العقد
الأصل أن المتعاقد لا يحق له التنازل عن العقد أو جزء منه إلا بعد الحصول على موافقة مكتوبة من الجهة الحكومية ووزارة المالية.
يشترط للموافقة:
- وجود أسباب مبررة للتنازل، وألا يكون سبق للمتعاقد التنازل عن عقد آخر خلال ثلاث سنوات.
- أن تراجع لجنة فحص العروض الطلب وترفع توصيتها لرئيس الجهة الحكومية.
- أن يرفع الطلب بعد ذلك إلى وزارة المالية لاعتماده.
- أن يتم التنازل بموجب اتفاقية رسمية بين الأطراف، مصدقة من الغرفة التجارية، وتتضمن التزامات كل طرف.
- أن تتوافر في المتنازل له نفس شروط التأهيل والتصنيف المطلوبة في المشروع.
لا يصبح التنازل نافذاً إلا بعد اعتماده رسمياً من الجهة الحكومية وتسجيله في سجل المتعاقدين بالبوابة.
التعاقد من الباطن
يجوز للمتعاقد الاستعانة بمقاول أو مورد فرعي، ولكن بضوابط محددة أهمها:
- الحصول على موافقة مسبقة من الجهة الحكومية.
- أن يتضمن عقد الباطن تفاصيل الكميات والأعمال والأسعار بوضوح.
- ألا يكون المقاول الفرعي من الفئات الممنوعة (مثل موظفي الدولة أو المفلسين).
- أن يكون مصنفاً ومرخصاً في المجال المطلوب ولديه القدرات الكافية للتنفيذ.
- ألا تتجاوز قيمة الأعمال المسندة من الباطن 30% من قيمة العقد.
- يظل المتعاقد الأصلي مسؤولاً أمام الجهة الحكومية عن الأعمال، حتى لو نفذها مقاول فرعي.
- يمنع أن يقوم المقاول من الباطن بتكليف مقاول آخر من الباطن.
الهدف من هذه الضوابط هو ضمان جودة التنفيذ، وحماية المال العام، ومنع إساءة استخدام عقود الباطن أو تحويلها لسلسلة تعاقدات غير خاضعة للرقابة.
العقود الحكومية في المملكة العربية السعودية هي قواعد محكمة تُنظم التعاون بين الجهات الحكومية والمتعاقدين لضمان تنفيذ مشاريع تنموية وخدمات عامة بجودة عالية وشفافية. فهم أنواع العقود، أنماط التعاقد، الضوابط القانونية، المسؤوليات، ومتطلبات الضمانات يهيئ البيئة المناسبة لتحقيق أهداف الدولة التنموية ويضمن حقوق جميع الأطراف المشاركة. المعرفة الدقيقة بهذه الجوانب تساعد كل من القطاعين الحكومي والخاص في التعاون الفعّال والنجاح المستدام.