جريمة الرشوة تُعد من أشد الجرائم التي تُهدد نزاهة المؤسسات وتقوض ثقة المجتمع في أجهزة الدولة. في المملكة العربية السعودية، تتخذ هذه الجريمة بعداً خطيراً ليس فقط لكونها مخالفة قانونية، بل لأنها تناقض القيم الإسلامية والأخلاقية التي يقوم عليها المجتمع. وفي إطار رؤية 2030 والتحول الوطني، أولت الدولة اهتماماً استثنائياً لمكافحة الفساد بشتى أشكاله، حيث عززت الأطر القانونية ووسعت صلاحيات الجهات الرقابية.
هذا الدليل يقدم لك نظرة شاملة على جريمة الرشوة في النظام السعودي، من تعريفها القانوني إلى آليات مكافحتها العملية.
ما هي جريمة الرشوة في النظام السعودي وكيف يعرّفها القانون؟
ما هي الرشوة قانونياً؟
يعرف نظام مكافحة الرشوة السعودي الجريمة بأنها: “اتفاق بين موظف عام (أو من في حكمه) مع شخص آخر، يتضمن وعداً أو عطية مقابل أداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه”.
يتضح من هذا التعريف ثلاثة عناصر أساسية:
- طرفان: موظف عام (أو من في حكمه) وشخص آخر.
- عطية أو وعد: مادي أو معنوي، سواء الالتزام بتقديم شيء ذي قيمة في المستقبل، أو تقديم مبلغ مالي أو هدية أو أي منفعة مادية حالياً.
- علاقة بين العطية والعمل الوظيفي مثل حمل الموظف على تنفيذ أو عدم تنفيذ عمل من أعماله
ما الفرق بين الرشوة والهدية العادية؟
التمييز بينهما جوهري من الناحية القانونية:
- الهدية: تعبير عن المودة أو التقدير، بدون مقابل، وفي المناسبات الاجتماعية المعتادة.
- الرشوة: تقدم بقصد الحصول على منفعة مرتبطة بالوظيفة، وتكون عادةً في غير المناسبات الاجتماعية، وقد تكون بقيمة كبيرة لا تتناسب مع العلاقة بين الطرفين.
أنواع وأشكال الرشوة
تتنوع صور الرشوة لتشمل أساليب تقليدية وحديثة:
الأنواع الأساسية حسب الفعل
- رشوة الأداء: مقابل قيام الموظف بعمل من مهامه (حتى لو كان مشروعاً).
- رشوة الامتناع: مقابل امتناع الموظف عن عمل يجب عليه القيام به.
- رشوة الإخلال بالواجب: مقابل قيام الموظف بعمل يخالف واجباته الوظيفية.
الأشكال الشائعة
- النقدي المباشر: تحويل أموال أو دفع نقدي.
- العيني: تقديم هدايا ثمينة (سيارات، مجوهرات، عقارات).
- الخدمات والمنافع: تقديم خدمات مجانية أو تسهيلات غير نظامية.
- الوعد بالمستقبل: الوعد بوظيفة أو ترقية أو عقد استشاري لاحق.
- الإلكتروني: استخدام التحويلات البنكية المشبوهة أو العملات الرقمية.
- غير المباشر: تقديم المنفعة لأقارب الموظف أو عبر شركات وسيطة.
أركان جريمة الرشوة التي يجب توافرها لثبوت الإدانة
لإدانة شخص بجريمة الرشوة، يجب أن تثبت النيابة العامة ثلاثة أركان:
الركن المادي (السلوك الظاهر)
- الفعل: الطلب، أو القبول، أو الأخذ الفعلي للعطية أو الوعد.
- المحل: المال، المنفعة، الخدمة، أو أي ميزة ذات قيمة.
- النتيجة: حصول الموظف على منفعة غير مشروعة مترتبة على الفعل.
الركن المعنوي (النية والقصد)
- العلم: معرفة الطرفين بأن التصرف غير مشروع.
- القصد: نية الموظف في الحصول على المقابل مقابل استخدام منصبه، ونية الطرف الآخر في التأثير عليه.
الركن القانوني (الشرعي)
- صفة الجاني: أن يكون مستقبل الرشوة “موظفاً عاماً” أو في حكمه (يشمل موظفي القطاع الخاص الذي يقدم خدمات عامة في بعض الحالات).
- ارتباط الفعل بالوظيفة: أن يكون العمل المطلوب أو الممتنع عنه من أعمال الوظيفة.
- عدم المشروعية: أن يكون الفعل مخالفاً للنظام.
الجهات المختصة بالتحقيق والمتابعة في قضايا الرشوة
هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة)
تأسست هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (المعروفة باسم نزاهة) بموجب أمر ملكي عام 1432هـ، وهي الجهة الرائدة والمتخصصة في مكافحة جرائم الفساد المالي والإداري، وتتمتع بصلاحيات واسعة تشمل:
- الرقابة الاستباقية: فحص الإجراءات والأنظمة في الجهات الحكومية.
- التحقيق والادعاء: لها وحدات متخصصة في جمع الأدلة والتحقيق ورفع الدعاوى.
- تلقي البلاغات: عبر قنوات متعددة (الرقم المجاني 980، تطبيق “نزاهة”، البريد الإلكتروني).
- حماية المبلغين: بضمان السرية وعدم التعرض للانتقام.
النيابة العامة
تتولى التحقيق الابتدائي وجمع الأدلة واتخاذ الإجراءات التحفظية، ثم تحيل القضية إلى المحكمة المختصة.
المحاكم الجزائية
تختص بنظر القضايا وإصدار الأحكام، وتوجد محاكم متخصصة للنظر في قضايا الفساد.
العقوبات النظامية المفروضة على الراشي والمرتشي والوسيط
تتفاوت عقوبات الرشوة حسب دور الفاعل وخطورة الفعل:
| الفاعل | الموقف / الجريمة | العقوبة القصوى |
| المرتشي (الموظف) | طلب/قبول رشوة لأداء أو امتناع أو إخلال بالواجب | السجن حتى 10 سنوات و/أو غرامة حتى مليون ريال |
| المرتشي (الموظف) | طلب رشوة صغيرة لمتابعة معاملة عادية | السجن حتى سنتين و/أو غرامة حتى 50 ألف ريال |
| الراشي (المقدم) | تقديم الرشوة | السجن حتى 5 سنوات و/أو غرامة حتى 500 ألف ريال |
| الوسيط | التوسط بين الطرفين | نفس عقوبة الراشي (حتى 5 سنوات و/أو 500 ألف ريال) |
عقوبات تبعية وإضافية
بالإضافة إلى السجن والغرامة، قد تشمل العقوبة:
- الفصل من الوظيفة وحرمان المرتشي من العمل في القطاع العام مستقبلاً.
- مصادرة أموال الرشوة والعوائد الناتجة عنها.
- دفع تعويضات مدنية للجهة المتضررة.
ملاحظة مهمة: قد يُعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا بادر بالإبلاغ عن الجريمة للسلطات قبل اكتشافها.
الأدلة المقبولة لإثبات جريمة الرشوة في المحاكم السعودية
تقبل المحاكم السعودية أنواعاً متعددة من الأدلة لإثبات جريمة الرشوة:
الأدلة المباشرة والمادية
- الأموال المصادرة: النقود أو التحويلات البنكية.
- الهدايا العينية: السيارات، المجوهرات، إلخ.
- الوثائق: فواتير، عقود، كشوفات بنكية، رسائل بريد إلكتروني.
الأدلة الرقمية والتسجيلات
- التسجيلات الصوتية والمرئية (بشروط قانونية).
- الرسائل النصية و محادثات التطبيقات (واتساب، تليجرام).
- سجلات الحسابات الإلكترونية وبيانات الموقع.
الشهادات والاعترافات
- شهادة الشهود المباشرين أو غير المباشرين.
- اعتراف المتهم (شريطة أن يكون طوعياً دون إكراه).
- تقارير الخبراء الماليين والفنيين.
القاعدة: كلما تعددت وتنوعت الأدلة وتكاملت، كانت قضية الإثبات أمام القضاء أقوى.
7. الخلاصة والتوصيات
إن مكافحة الرشوة في السعودية لم تعد مجرد تطبيق للقانون، بل هي جزء من ثقافة مؤسسية واجتماعية تعززها الدولة. تتمحور الاستراتيجية حول ثلاثة محاور: الردع الصارم عبر العقوبات، الوقاية عبر تعزيز الشفافية والرقابة، والتوعية بخطورة الجريمة.
توصيات عملية:
- للموظفين: الالتزام الصارم بأخلاقيات الوظيفة، ورفض أي عروض مشبوهة، والإبلاغ الفوري عن أي محاولة إغراء.
- للمتعاملين مع الجهات الحكومية: إنجاز المعاملات عبر القنوات الرسمية، وعدم الاستجابة لأي طلب غير نظامي، وتوثيق أي محاولة ابتزاز أو طلب رشوة.
- للمجتمع: المشاركة في بناء ثقافة النزاهة، ودعم الجهود الرقابية، والإبلاغ عن حالات الفساد عبر القنوات الآمنة.
إن التعاون بين أفراد المجتمع والجهات الرقابية هو الضمانة الحقيقية لاستمرار بيئة أعمال ونظام إداري تتسم بالنزاهة والعدالة، وهو ما تسعى إليه المملكة بثبات ضمن رؤيتها الطموحة.
للحصول على استشارة قانونية متخصصة في قضايا الفساد الإداري أو للدفاع في قضية رشوة، يقدم فريق شركة صلة للمحاماة والاستشارات القانونية خبرته العميقة في نظام مكافحة الرشوة السعودي والإجراءات القضائية المرتبطة به.